المجلة | قــصـــة |توبة أبي سفيان بن الحارث رضي الله عنه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > قــصـــة

توبة أبي سفيان بن الحارث رضي الله عنه
كان أبو سفيان بن الحارث أخا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة أرضعته حليمة وكان يألف رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان له تِرباً (أي صديقا) فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عاداه عداوة لم يعاد أحد قط مثلها وهجا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فمكث عشرين سنة عدوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم يهجو المسلمين ويهجونه ولا يتخلف عن موضع تسير فيه قريش لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إن الله ألقى في قلبه الإسلام . قال أبو سفيان: فقلت: من أصحب ومع من أكون؟ قد ضرب الإسلام بِجِرانه (أي ثبت أمره) فجئت زوجتي وولدي فقلت: تهيئوا للخروج فقد أظل قدوم محمد قالوا: قد آن لك أن تبصر أن العرب والعجم قد تبعت محمداً وأنت موضع في عداوته وكنت أولى الناس بنصره فقلت لغلامي مذكور: عجل بأبعرة (جمع بعير) وفرس قال: ثم سرنا حتى نزلنا الأبواء وقد نزلتْ مقدِّمةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم (أي مقدمة جيشه) الأبواء فتنكرتُ وخِفت أن أقتل وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نذر دمي فخرجت على قدمي نحواً من ميل وأقبل الناس رسلاً رسلاً فتنحيت فَرَقاً (أي خوفا) من أصحابه فلما طلع في موكبه تصديت له تلقاء وجهه فلما ملأ عينيه مني أعرض عني بوجهه إلى الناحية الأخرى فتحولت إلى ناحية وجهه الأخرى فأعرض عني مراراً فأخذني ما قرب وما بعد وقلت: أنا مقتول قبل أن أصل إليه! وأتذكر بره ورحمه فيمسك ذلك مني وقد كنت لا أشك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه سيفرحون بإسلامي فرحاً شديداً لقرابتي برسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى المسلمون إعراض رسول الله صلى الله عليه وسلم عني أعرضوا عني جميعاً فلقيني ابن أبي قحافة معرضاً عني ونظرت إلى عمر يغري بي رجلاً من الأنصار فقال لي: يا عدو الله! أنت الذي كنت تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتؤذي أصحابه قد بلغت مشارق الأرض ومغاربها في عداوته فرددت بعض الرد عن نفسي واستطال علي ورفع صوته حتى جعلني في مثل الحرجة من الناس يسرون بما يفعل بي قال: فدخلت على عمي العباس فقلت: يا عم! قد كنت أرجو أن يفرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامي لقرابتي وشرفي وقد كان منه ما رأيت فكلمه في ليرضى عني قال: لا والله لا أكلمه كلمة أبداً بعد الذي رأيت إلا أن أرى وجهاً إني أُجِلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهابه فقلت: يا عم! إلى من تكلني؟ قال: هو ذاك! قال: فلقيت عليًّا فكلمته فقال: لي مثل ذلك فرجعت إلى العباس فقلت: يا عم فكف عني الرجل الذي يشتمني قال: صفه لي فقلت: هو رجل آدم شديد الأدمة قصير دحداح بين عينيه شحة قال: ذاك نعيمان بن الحارث النجاري فأرسل إليه فقال: يا نعيمان! إن أبا سفيان ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن أخي وإن يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ساخطاً عليه فسيرضى عنه فكف عنه فبعد لأْي (أي جهد ومشقة) ما كف وقال: لا أعرِض له، قال أبو سفيان: فخرجت فجلست على باب منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى راح إلى الجحفة وهو لا يكلمني ولا أحد من المسلمين وجعلت لا ينزل منزلاً إلا أنا على بابه ومعي ابني جعفر قائم فلا يراني إلا أعرض عني فخرجت على هذه الحال حتى شهدت معه فتح مكة وأنا في خيله التي تلازمه حتى نزل الأبطح فدنوت من باب قبته فنظر إلي نظراً هو ألين من ذلك النظر الأول ورجوت أن يبتسم ودخل عليه نساء بني عبد المطلب ودخلتْ معهن زوجتي فرقَّقَتْه عليَّ وخرج إلى المسجد وأنا بين يديه لا أفارقه على حال حتى خرج إلى هوازن فخرجت معه وقد جمعت العرب جمعاً لم تجمع مثله قط وخرجوا بالنساء والذرية والماشية فلما لقيتهم قلت: اليوم يرى أثري إن شاء الله. فلما لقيناهم حملوا الحملة التي ذكر الله:" ثم وليتم مدبرين" وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته الشهباء وجرد سيفه فاقتحمت عن فرسي وبيدي السيف صَلتاً قد كسرت جفنه والله يعلم أني أريد الموت دونه وهو ينظر إليَّ وأخذ العباس بلجام البغلة فأخذت بالجانب الآخر فقال: من هذا! فقال العباس: أخوك وابن عمك أبو سفيان بن الحارث فارض عنه أي رسول الله قال: قد فعلت فغفر الله له كل عداوة عادانيها فأقبل رجله في الركاب ثم التفت إلي فقال: أخي لعمري! ثم أمر العباس فقال: ناد يا أصحاب سورة البقرة! يا أصحاب السمرة! يا للمهاجرين! يا للأنصار! يا للخزرج! فأجابوا: لبيك داعي الله! وكرّوا كَرّة رجل واحد قد حطموا الجفون وشرعوا الرماح وخفضوا عوالي الأسنة وأرقلوا إرقال الفحول (أرْقَلَ: أسْرَعَ في مشيه) فرأيتني وإني لأخاف على رسول الله صلى الله عليه وسلم شروع رماحهم حتى أحدقوا (أي أحاطوا) برسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:" تقدم فضارب القوم! فحملت حملة أزلتهم عن موضعهم وتبعني رسول الله صلى الله عليه وسلم قدماً في نحور القوم ما يألو ما تقدم فما قامت لهم قائمة حتى طردتهم قدر فرسخ وتفرقوا في كل وجه. وذكر ابن عبد البر بإسناده عن عائشة رضي الله عنها قالت: مر علينا أبو سفيان بن الحارث فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلمي يا عائشة حتى أريك ابن عمي الشاعر الذي كان يهجوني أول من يدخل المسجد وآخر من يخرج منه لا يجاوز طَرْفه شراك نعله. وروي أنه كان لا يرفع رأسه إلى النبي صلى الله عليه وسلم حياء منه، وقال عند موته: لا تبكوا علي فما تنطفت بخطيئة منذ أسلمت وبكى على النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ورثاه.

المزيد